نرجس والبقّال

أيّها العابرون في ذكرياتي
ابحثوا لي عن ذلك الطفل فيّا
لقد اشتقتُ أن أعود ابن أمّي
عابثًا
ضاحكًا
بريئًا
شقيّا
فيصل الجبعاء
*
كعادتنا تبعنا شق الاسفلت الذي يبدأ من المنزل، ثم ينقطع مسافة مترًا، وكنا نتحدّى بعضنا في قفز هذا الفراغ، قبل أن يعود لمواصلة مساره على نحوٍ متعرّج إلى أن يصل عند البقالة.
“إذا نظر إليّ رشيد وابتسم، سنذهب إلى البقالة الأخرى.”
“إذا نظر إليك سأقتله!”
تضحك، وكأنني قلت شيئًا مضحكًا.
استمرّت فاتنتي في الضحك حتى وصلنا الفراغ الذي يفصل شق الإسفلت ولم تستطع القفز. لم أولّيها اهتمامًا، قفزتُ أنا، وقلت لها: “انتصرت هذه المرة أيضًا”، وأخرجت لساني كي أغيظها.
لم تُعرْني، هي بدورها، اهتمامًا. ركضتُ خلفها ثم تجاوزتها كي أسبقها إلى البقالة لكنني تعثّرت.
سقطتُ.
تدحرجتُ.
ابتلعني الشق.
هويتُ عميقًا في باطن الأرض. عدتُ إلى طينتي الأولى.
كدتُ ألامس القشرة الأرضية.
أشعر بالبرد.
الظلام يغلّفني، لا أرى.
وهي لم تكترثْ.
نهضتُ.
نفضتُ الغبار والأوهام عنّي.
خرجتْ من البقالة مسرعةً نحو المنزل.
لحقتها.
صفقتْ الباب في وجهي.
تسلّقتُ سور المنزل ورأيتها تهرب إلى خلف المنزل. تعلّقتُ بأغصان الشجرة نزولًا وتبعتها. رأيتها، تحت الدرج الحديديّ الأحمر المؤدي إلى شقة عمّي، تبكي.
– ماذا فعل لك رشيد؟
– … .
– هل نظر إليك وابتسم؟
– … .
– نرجس! أجيبي!
– … .
ودام صمتها عشرين عامًا، وربما سيدوم إلى الأبد.