قصص

مواطنٌ عاطلٌ عن الأمل

أنظر إلى الوجه المجعّد الأسمر، وهو ينظر إليّ. أرمش بعينيّ، يرمش بعينيه. أضع سيجارةَ مالبورو في فمي، يضع سيجارةَ بال مال في فمه. أحكّ عيني اليمنى كأن ذرة غبارٍ دخلت بها، وهو يحكّ عينه اليسرى وكأن ذرة غبارٍ أصابتها. أستفهمه شيئًا، يتعجبُّ. لا يفهمني ولا يقول شيئًا.

يستفهمني شيئًا وأنا كذلك لا أفهمه وأتعجّب.

أفكّ ياقة ثوبي، وأعيد ترتيب شماغي. ينظر إلى نفسه وإلى ثيابه البالية، ثم يهمس بشيءٍ لا أستطيع أن أتبينه مرةً أخرى.

أقول: “إذن أنت لست مرآتي ولا ظلّي، فابتعد عني.”

لم يفهم ما قلته مجددًا. يهزّ رأسه، كما يفعل دوما، ويسأل:

“بوس! جاي هليب؟ تُركش؟”

ظللنا متقابلين وصامتين، كلّ واحدٍ منّا ينظر للآخر. وبعد لحظات قصيرة، يقول:

“بوس! جاي؟”.

ثم أجيب: “ايوه جاي.. جاي يا كرم”.

يهبّ مسرعاً لإعداد الشاي. يغلي الماء، يضع السكّر في الكوب الورقي، ثم ينظر إليّ، ويسألني إن كنت أريد نعناعًا، فأجيبه. يفتح الثلاجة، ويقطع من حزمة النعناع ورقتين ويغسلهما في طشتٍ أزرق اللون مسْودّ الهيئة، يكاد المرء لا يصدق صفاء مائه. ثوانٍ قليلة والكوب بين يديّ. ولم ينس أن يحضّر له كوباً بدوره.

نجلس متقابلين صامتين، كلّ واحدٍ منّا ينظر إلى الفراغ، ويحتسي شايه ويدخّن سجائره.

يشير إلى مسجلته، “بوس! يبقى؟”

أتبرع بالقيام بذلك. أُدير المسجلة بعد أن أوصلتها بهاتفي المحمول. يبدأ رويشد الغناء.

“كل واحد معو همّو على قده

ما في أحد مرتاح

كل واحد معو همّو على قده

حتى أنا يا صاح

همّ القلب عندي قد بلغ حدّه

لكنني صابر.. لكنني صابر..

لكنني صاااابر.. لكنني..”.

– اييي والله. دنيا خلّي ولّي.

أقاطع رويشد وأطلب منه، من المسجلة، خفض صوته.

– كرم! أنت معلوم إيش كلام؟!

– أيوة بوس! هوّ كلام..

وقبل أن يكمل داهمنا المدير. ينظر إلينا متعجبا من منظرنا متقابلين هكذا. يخبر العامل أنه يريد قهوة تركية. ثم ينظر إليّ بازدراءٍ ويقول:

– كتبت كل خطاباتي؟ منيح. بس اليوم ما فيك تبصم وتفلّ! بدي ياك تكتب خطاب تاني تزكر فيه انو بنستغني عن خدماتك، منّا بعازتك!

أنظر إليه لكنه لا ينظر إلي. أحكّ عيني اليمنى ولا يحكّ عينه اليسرى. أشبك ياقة ثوبي، يعدّل سترته السوداء من امبوريو أرماني، ثم يقول:

– يا خيي إنت ما تشتغل! السعوديين كلّون هيك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى