آخر رسائل العالم

في عالم السوشل ميديا الغريب، والذي ألفناه مؤخراً، أصعب ما يمكن للإنسان أن يتجنبه هو الوقوع في فخ التشابه ونمطية الشخصية الافتراضية. أي أنك لم تعد كما كنت، لم تعد أنتَ أنت. طريقتك في الكلام قد اختلفت، في انتقاء الكلمات والعبارات المناسبة. نكاتك أيضاً! اهتماماتك، وربما ملامحك. تبدو كأي شخص آخر لو لا الملامح المختلفة والمشوّهة. لكن المخيف أن تنزلق قدمك لتصبح شخصاً آخراً تماماً تجهله، وما هو مخيف أكثر أن هوّة الإنزلاق في اتساع يوماً بعد يوم. هذا العالم الغريب سيشكلّك كما يريد. سيطمس ما كنت عليه يوماً ويخرجك شخصاً جديداً. كأنك ولدت شخصاً آخراً له تاريخ ميلاد جديد. وقد تكوّن صداقات جديدة من خلاله، وهذا شيء جيد بكل تأكيد. لكن ما هو سيء حقاً أنك قد تتعرف على شخصك الجديد من خلاله من قبيل المصادفة، أمّا إذا كنت سيء حظ فلن تتعرف عليه حتى يومنا هذا.
تنظر إلى صورتك حتى تقع عينيك من مكانهما، لا تكاد تميّز تلك الملامح. الشك يبدأ يدبّ في رأسك. هل كانت قصة شعري هكذا من قبل؟ وهل كان ذقني هكذا؟ كنت أكره اللون الأخضر، فلماذا ارتديته ذلك اليوم؟ لماذا كتبت تلك العبارة التي لم أعرفها ولم أتفوّه بها يوماً. لماذا صنعت بيدي ما صنعت بتلك الطريقة الغريبة؟ ولماذا رأسي مائل بطريقة غريبة تجعلني شخصاً يحاول أن يصبح مهرجاً فأخفق في المحاولة!
لا الملامح نفسها ولا الملابس ولا حتى الكلمات! اذن ملامحي ليست لي، فالفلاتر ابتلعت ملامحي الحقيقية. صورتي الشخصية ليست صورة شخصية، وانما صورة فلترية مشوّهة لشخصٍ ما. وكلماتي التي أكتبها ليست لي، ربما كنت سارقاً محترفاً لأوهم الناس أنها كلماتي أنا.
كم من الوقت سيمرّ علينا لنعود إلى حياتنا الواقعية؟ حياتنا التي نعرف فيها من نحن ومن يخاطبنا. دون أن تمر من أمام أعيننا فتاةٌ تدّعي جمالها، وتعرض عليك تفاصيل أنوثتها بالمجان. ودون أن يمرّ على عينك فتىً يدّعي الحكمة فيما يقول؟ وشيخاً يدّعي التسامح؟ وأمّا تدعي العطف؟ ومعلّما يدّعي تعليمه؟ وإنساناً يدعي ثقافته؟ وتافهاً يدعي نكاته؟
تعاطي الميديا جنون أو لهاث يوميٌّ نحو الجنون. يجعلني أتتبع تفاصيل حيوات لأناسٍ أعرفهم لم يحظوا يوماً بهذا القدر من الأهمية في حياتي، أو أناس بالكاد أعرفهم.
يأتي سؤال درويش: هل أنا حقّا أنا؟
لا أعلم..
لا أعلم..
لا أعلم .. إن كانت هذه رسالة وداعٍ أم لا.. لكنها تبدو كذلك!